الأحد، 24 يونيو 2012

ثورة مصر وسيناريو فتح مكة ... يوسف العاصي الطويل ...




ثورة مصر وسيناريو فتح مكة
يوسف العاصي الطويل ...

عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين
تعتبر الهبة الشعبية المصرية في 25/يناير 2011 علامة فارقة فى التاريخ العربي بل والعالمي المعاصر، حيث ستكون تداعياتها عظيمه على كافة المستويات المحلية والعربية والعالمية. فبعد ان يأس الجميع من إمكانية تغيير الأوضاع في مصر بالرغم من كافة القرارات والتصرفات 
 التى اتخذها النظام المصرى خلال العقود الماضية، و التى جاءت مضادة للإرادة الشعبية المصرية التى عبرت عن ذلك خلال احتجاجات ومظاهرات متفاوته، سواء ما قام به الأمن المركزى أو الاحتجاج على وقوف نظام مبارك مع أمريكا فى تدميره للعراق والحرب عليه، او في موقفه من العدوان الاسرائيلي على فلسطين ولبنان، وغيرها الكثير، حيث كان النظام يتصرف وكأن الشعب المصري العظيم غير موجود، وكان أزلام النظام في كل مره يحاولون تبرير سياساته وكأنها منزله من السماء، ويتم قهر وقمع المعارضين لسياساته الظالمة ...
بالرغم من هذا الظلم والديكتاتورية والفساد الذى استمر لمدة ثلاثة عقود تفاجئ العالم اجمع بهذه الهبة الشعبية أو الثورة بمعنى اصح، لتشمل كافة طبقات الشعب وطوائفه، فهى ليست ثوره طائفية او طبقية او نخبوية. انها ثورة المسلم والمسيحي والغنى والفقير، والمثقف والامي، انها ثورة الشعب بكل اطيافه المختلفه 
ضد ظلم وفساد وانتهاك لحرية الانسان وكرامته مارسها النظام وازلامه، وتمادى بها الى درجه فاقت التصور، 
وطالت مساوئها الجميع ...
لقد حول النظام مصر المحروسه الى عزبه كبيره، والشعب الى عبيد، يستغلها هو وزبانيته كيفما يشاؤون، يبيعون ويشترون ويزورون وينهبون، ويعتقلون، وكأن شعب أقدم حضارات العالم غير موجود، ونسوا ان الشعوب تصبر وتعاني ولكن لابد من وصول الأمور الى لحظه الانفجار. وهذا ما حدث، كان لابد من شراره قادها الشباب الواعي المهمش في بلده، فانضمت إليه كافة الجموع لتأييد مطالبه ولتعبر عن مطالبها بالحرية والكرامه والعدالة ...
 المفقودة منذ زمن... 
وقد اكتسبت هذه الحركة الثورية للشعب المصري تعاطفاً عظيماً على كافة المستويات لعدالة مطالبها وطابعها السلمي، وجاءت همجية النظام وازلامه في التعامل مع هذه الهبة لتجلي الصورة بكل بوضوح، حتى وجدنا اقرب حلفاء النظام في الداخل والخارج يتخلون عنه ...

المهم هنا ليس نقل تفاصيل الصورة الحالية، فقد تكفلت بذلك كافة وسائل الاعلام بأنواعها، ولكن المهم هو البحث عن طريقة حضارية لإنهاء هذه الازمه بطريقة تحقق مطالب الشعب المصري وثورثة العادلة، بعيدا عن تداعيات غير مرغوبة قد تدفع بها التطورات، نتيجة عدم توحيد مطالب المعارضة، أو نتيجة رعب النظام وتوجه بعض أزلامه لسيناريو "على وعلى أعدائي" اى محاولة احراق البلد وخلق فوضى عارمه في أرجاءه، مما سيترك اثرا سيئا على مستقبل مصر المحروسه، ومستقبل المنطقة العربية بأكملها ...

من هذا المنطلق اطرح سيناريو لإنهاء الازمة الحالية بناء على بعض الوقائع التى أفرزتها ثورة الشعب المصري العظيمة :
1-    من الواضح ان الثوره المصرية الحالية وان بدأها الشباب، الا انه من الخطأ نسبتها الى ما يسموا بشباب الانترنت، وان كان لا يمكن نكران دورهم الكبير. فهذه الثورة هى ملك للشعب المصري بأكمله وجاءت نتيجة لتراكمات على مدار سنين ضد الشعب وقواه السياسية المختلفة، وبدأها الشباب، وناصرها الشعب بكل أطيافه، ولا يمكنها ان تستمر إذا ادعى البعض إنها من صنعه وحده أو حاول ان يجيير منجزاتها لصالحه...

2-    من الواضح ان الجميع متفق على الأهداف العظيمة للثورة ولكن الخلاف الآن، يدور حول الكيفية التى يجب ان يتم بها تحقيق هذا الأهداف. وللأسف لاحظت ان الإجراءات الشكلية للتغيير تستحوذ الآن على المناقشات، حيث يشتم من خلالها رغبه البعض في الانتقام من النظام وبالذات حسنى مبارك بإخراجه بطريقه مذله ووضعه أمام خيار وحيد، بعد ان تخلى 
عنه أصدقاءه في الداخل والخارج ...
3-    من الملاحظ ان هناك بعض الدول وبعض القوى تحاول استغلال الثورة لمصالح حزبية ضيقه، استعدادا لمرحلة جنى الثمار، ولهذا نجد تضارب في التصريحات وعدم اتفاق في بعض الأمور الشكلية، ووجود مرجعيات مختلفة تطرح الحلول والمخارج، حتى وصل الأمر إلى تناقضات 
بين القوى الفاعلة في الساحة...

  4-     يحاول الجميع التمسح بالشباب باعتبارهم مفجري هذه الثورة ، ولكن هؤلاء الشباب لم تظهر لهم قياده حقيقية واضحة تطرح مطالبها العادلة على العلن، وبقوا غير معروفي الهوية والاتجاه، مما سهل على كثير من المتطفلين والقوى التحدث باسمهم، والادعاء بأنهم اجتمعوا معهم ليدلي بتصريحات باسمهم، وقد صدمت عندما استمعت لمتحدثه ادعت إنها تتحدث باسم الشباب، وهى تدلى بأقوال ساذجة ، وغير منطقيه 
وسطحية، وهذا يضفي ضبابية على ما يدور 
وما يمكن ان تؤول إليه الأحداث...
  5-    يلاحظ غياب قيادة موحدة لهذه الهبة الشعبية، تتحدث باسمها بل وجدنا انقساما وتضاربا في المطالب، وانشغل الجميع عن الهدف الحقيقي للثورة، وهو التغيير 
والاصلاح
  بمسائل فرعية.
6-    القوة المعارضة للنظام لا تأخذ باعتبارها القوة التى يملكها النظام ، واعتقدت بسذاجه ان القوات المسلحه يمكن ان تتخلى بسهوله عن النظام، وهذه سذاجه كبيره، بل أنهم وجهوا جام غضبهم لوزارة الداخلية وعناصرها، وكأن الجيش مصري، وهؤلاء غير مصريين، متناسين ان النظام بكامله بقواته المسلحه والامن والمؤسسات والوزارات كلها لابد ان يطالها الاصلاح والتغيير بسبب تراكم الفساد فيها 
طوال الفترة السابقة...
7-    القوى المعارضة لم تضع في حسبانها مؤيدى النظام والجماعات المرتبطه به سواء اشخاص او 
موظفيى حكومه او رجال اعمال، عاشوا في رفاهية في ظل الفساد، وهم مستعدون للدفاع عنه بكل قواهم وقد شاهدنا كيف استطاع هؤلاء ان يوحدوا انفسهم والدفع بمجموعات 
انقضت على المتظاهرين وعاتت فسادا في كل مكان،
 وهم على استعداد للاستمرار 
بذلك حتى النهاية.
8-    من الواضح ان رسالة المتظاهرين وصلت الى النظام المصرى وللعالم، واتخذ النظام بعض الخطوات الجزئية والتى بالتأكيد لم ترقى لمطالب المتظاهرين، ولكن ذلك يعتبر مؤشر ايجابي ومكسب يجب البناء عليه وتطويره ...
الى الامام للوصول الى الهدف النهائي.
9-    لوحظ ان أمريكيا والغرب بشكل خاص تخلوا بصوره كامله عن أعظم حلفائهم بالمنطقة، وطالبوه بالرحيل، بل وظهروا ملكيين اكثر من الملك، وهذا يضع تساؤلات عديده حول الهدف من ذلك ومغزاه، بعد تجاربنا المره مع وعودهم 
بالديمقراطية والحريه...

10-   من خلال متابعتى للأحداث لاحظت ان التغطية الاعلامية للاحداث لعبت دورا محوريا في تصعيدها، وان الحيادية والحرفية غابت عن عملها، سواء المعارضين ...
او المؤيدين للثورة الشعبية المصرية...

11-  من الملاحظ ان هناك روح جديدة دبت في الشعب المصري، واعتقد انه حتى في اسوأ الاحتمالات التى تتمثل في إمكانية سيطرت النظام على الاحداث، فان الواقع في مصر المستقبل لن يكون باى حال من الاحوال شبيها او قريبا من الواقع قبل 25 يناير، بعد ان نزع الناس من قلوبهم الخوف من النظام، وتبلور ثقافه ثورية في الوعي الجمعي أحست بقيمة الاتحاد والمشاركه لأحداث التغيير...
امام هذا الوقائع المختلفة ، وإصرار كلا من النظام والثوار على مواقفهم، فان الوضع المستقبلي يندر بتداعيات خطيره من الصعب تدارك عقباه ، ربما تصل الى فوضى شامله وحمامات دم، ولهذا نجد انه من الضروري اتخاذ بعض الخطوات الاولية للوصول الى بر الأمان ، وتحقيق الثورة لأهدافها :
1-    تشكيل قياده موحده لثوره تتفق على مطالب التغيير والاصلاح ويتمترس الجميع حولها ويمكن اجمالها بوضع دستور جديد والدعوه لانتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهه خلال فتره محدده، تفرز ممثلي الشعب وترسى مبادئ العداله والحرية في المجتمع وللجميع، ويتم تعيين متحدث رسمي باسمها، يكون مصدر المعلومات الوحيد لهذه القيادة.
2-    يجب ان تحدد هذه القيادة آلية التغيير، إما بالثورة الشاملة وخوض حرب شامله مع النظام بكل مؤسساته، او الوصول للتغيير من خلال الحوار، واستبعاد امكانية قيام الجيش بحسم الامور لصالح الثوره، على الاقل في هذه المرحلة، لان القيادات العليا في الجيش في غالبيتها موالية بشكل كامل للنظام الذى اجزل لها العطاء وكان يقوم بعملية غربله لها قبل إسناد 
اى منصب قيادي لها...
3-    من قراءة ما يجري يتضح ان الجميع يرغب في التغيير عن بطريقه سلمية ، وهنا لابد من الحوار مع النظام الحالي بكل سيئاته من اجل ضمان انتقال سلس للسلطة ، وضمان تحقيق المطالب الشعبية ، وتشكيل حكومة من التكنوقراط ، لتجنيب البلاد سيناريوها غير مرغوبة...
وإذا كان الهدف الأساسي للثورة يتمثل في تحقيق أهداف محدده، تحقق العدالة والحرية، والديمقراطية للجميع، فان الوصول الى ذلك هو الهدف الاسمي للثورة ... فالشعب يجب ان يجنى ثمار هذه الثورة ، ويجب ان يكون التركيز كله موجها لتحقيق ذلك ، فنحن نريد العنب وليس مقاتلة الناطور" أي نريد ان تجنى الثورة ثمارها الحقيقية ، أما الناطور أو النظام فليس هو الهدف الأساسي
 إذا تنازل وحقق أهداف الثورة بطريقه أو بأخرى...
ومن هنا فان تحقيق الأهداف الرئيسية للثورة وإخراجها الى ارض الواقع لا يجب ان تقف إمامه شروط معينه من هذا الطرف أو ذاك، ويجب ان يدرك الثوار ان النظام وأزلامه إذا وجدوا أنفسهم محصورين بزاوية ضيقه يمكنهم ان يهدموا المعبد على رؤوس الجميع، ويحرقوا البلاد والعباد، وبالتالي فان الحكمة 
ومصلح الوطن تتطلب بعض المرونة للخروج من هذا المأزق، 
ومنح النظام وأزلامه بارقه أمل ، بإمكانية 
الخروج أو البقاء الآمن ...

فالخروج الأمن للرئيس يجب ان يكون مرحب به وبقائه ايضا وبشروط، إما الفاسدين الذين استغلوا البلاد وعاتوا بها الفساد فيجب ان يمنحوا حق الخروج بعد محاكمات تعيد ما سلبوه للشعب، أو يتم منحهم حق البقاء بعد تنازلهم طواعية وإفصاحهم بمحض إرادتهم للأموال التى سلبوها من الشعب...

ان منح الأمان  للنظام وأزلامه هو الكفيل بإحداث التغيير المطلوب والوصول بالبلاد الى بر الأمان، وهذا لا يعنى التخلى عن إعادة الحقوق إلى أصحابها أو محاكمة الذين أجرموا بحق الشعب ومقدراته، وعلينا ان نتذكر معاملة الرسول الكريم مع كفار مكة يوم فتح مكة، فالرغم مما عانه الرسول الكريم منهم من ظلم وتآمر ومحاولات مستميته للقضاء عليه وعلى دعوته، الا انه في يوم الفتح العظيم دخل مكة منتصرا بدون قتال،
وأعلن العفو عن الجميع وأمنهم في بيوتهم وأموالهم ، فكان يوما مشهودا خلق مجتمع جديد فتى استطاع ان نشر نوره 
الى كافة جهات الارض.
وهنا أتمنى ان يستذكر حكماء مصر وشبابها وشيوخها هذا المشهد العظيم، ليكون لهم نبراسا في طريقهم الى الحرية 
وبناء مجتمع جديد يقوم على التعددية والحرية وصيانة الحقوق. فهذه اللحظه العظيمة التى يعيشها شعب مصر العظيم، لا يجب ان تكون لحظه انتقام او لحظه تصفية حسابات، او تكريس احقاد، بل يجب ان تكون  لحظه انتصار مشرف وعظيم، تعاد فيه الحقوق الى اصحابها، ويتم محاسبة المخطئ والعفو عن المسئ، وحمد الله تعالى على هذا النصر العظيم، لتبدأ مرحله جديده في حياة آلامه خالية من كافة السلبيات والأخطاء التى لم تظهر فجاه في زمن مبارك، بل تراكمت على مدار عقود بل وقرون، ولكن الشعب استطاع ان يحقق بعض الانجازات والنقلات النوعية خلال هذه المدة ، لا يمكن انكارها لقادة مصر، وهنا يجب البناء عليها وتطويرها، من خلال هذه الثورة الفارقة في التاريخ المصري، والتي تفرض عليها عظمتها وأهدافها السامية والنبيلة التحرك على ارض الواقع بالتمسك بمبادئها الحقيقية، وإهمال أو وضع حلول خلاقه للمطالب الفرعية للعبور ...
بسلام إلى بر الأمان ...
فليس من مصلحه مصر والمصريين اذلال رئيسهم، بطريقه لا تليق بعظمة مصر وحضارتها، ووضعه في موقف يستجدي شعبه للخروج من منصبه بكرامه بعد ان تخلى عنه اعز أصدقائه من الدول الغربية ، ويكفيه ما حدث درسا وعبره له ولغيره...
وليس من مصلحة مصر وشعبها ان يهرب رجال الأعمال من مصر بأموالهم التى جنوها في ظل النظام البائد، بل يجب 
ان يمنحوا فرصه للتوبة والبقاء في مصر بعد ان يردوا ما نهبوه من أموال الى الشعب، ليتم تشكيل صندوق قومي يوزع 
هذه الأموال على الشعب أو يحل بها مشاكل
 الطبقات الفقيرة والمعدومة...

وليس من مصلحة مصر ان يعيش على ارضها الطاهره اناس اساءوا لبلدهم ولاخوانهم في فترة النظام السابق، منبودين ومحملين بعقدة الذنب والكراهية من الجميع، بل يجب منحهم فرصه للتوبه والانخراط من جديد في المجمع الجديد الذي سيتشكل على قاعدة من التسامح والحب والكرامه للجميع. ويجب ان يدرك الجميع ان الفساد والمحسوبية وكل الامراض القاتله كانت منتشره في بنية المجتمع المصري باكمله، الا من رحم ربي، ولهذا لا يمكننا ان نلوم فقط هذا المخبر او ذاك الشرطى او رجل الامن او الموظف الكبير، فالكل كان في ظل هذا النظام الفاسد فاسد ومقصر في حمل الامانه حتى اللذين يتظاهرون اليوم. واذا كان قد صحى ضميرهم في هذه اللحظة التاريخية، فيجب عليهم ان يمنحوا غيرهم فرصه للرجوع الى الحق والتوبه، فالعودة الى الحق خير من الاستمرار بالباطل فالكل اجرم بطريقه او باخرى بحق اخيه، والكل مسئول عما آلت اليه الامور.
ان البناء الجديد والشرعية الجديده مهمتها الاولى هي تصحيح كل ذلك، وعدم التفرع لمعارك جانبية وانتقام وتصفية حساب، يجب ان يعلن الشعب المصري بكامل فئاته وفي ميدان التحرير وقبل ان ينفض الثوار قانونا للتسامح والمحبه والعفو الجميل، ويشمروا عن ساعد الجد لبناء مجمعهم الجديد، 
على اسس وقيم جديده لتبدأ صفحه بيضاء، يسطر فيها الجميع اسهاماته وابداعاته على اسس من الحرية والكرامه والعدالة  
 وكفى الله المؤمنين شر القتال"
فينا 5/فبراير/2011


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق