الأربعاء، 6 يونيو 2012

قبل أن تغتال سيناء بقلم الأستاذ دكتور رفعت سيد أحمد




قبل أن تغتال سيناء بقلم الأستاذ دكتور رفعت سيد أحمد
بقلم  : الأستاذ دكتور رفعت سيد أحمد - 28 ابريل,




فى الوقت الذى ننشغل فيه فى مصر بـ (المليونيات) و(الانتخابات) والصراع حول (التورتة) التى أنتجتها الثورة ، رغم أن هذه (التورتة) لم تنضج بعد ؛ ومع ذلك فالصراع حولها مازال مشتعلاً ، فى هذا الوقت يقوم العدو الاستراتيجى للأمة ، بالتخطيط والتآمر لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء وتفجير الثورة المصرية من داخلها ، وأخطر أشكال التهديد هو ما يتصل بسيناء التى تركناها بلا تنمية حقيقية والآن يتم اختراقها سواء من خلال العدو من شبكات تجسسيه على امتداد الحدود مع مصر (قرابة الـ 250 كم) أو من خلال جماعات (القاعدة) والتيارات المتشددة والمنتشرة اليوم فى سيناء (60 ألف كم2) والسؤال الآن كيف نحول دون الاغتيال الكامل لسيناء من قبل هؤلاء الأعداء ؟ ما هى الخطط المطلوبة من مصر الثورة لكى تعمر سيناء تعميراً حقيقياً مقاوماً ؟ أسئلة تحتاج إلى قدر كبير من التفصيل وهو ما سنحاوله هنا . 

****
بداية تحدثنا الحقائق الجغرافية عن (سيناء) المراد تعميرها أن طبوغرافيتها بإيجاز شديد عبارة عن شبه جزيرة يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط (مسافة حوالى 200 كم) ومن الجنوب البحر الأحمر (مسافة حوالى 400 كم) ويحدها شرقاً خط الحدود الدولية وخليج العقبة وغرباً قناة السويس وخليج السويس وتنقسم إلى 3 أجزاء رئيسية :
(1) شمال سيناء : سهل متسع مموج يحده شمالاً ساحل البحر الأبيض المتوسط ويتخلله الطريق الساحلى (بطول حوالى 200 كم) .
(2) وسط سيناء : منطقة صحراوية صخرية ومناطق العمران مبعثرة فيها (القسيمة – الكنتلا – الحسنه – نخل – متلا .. إلخ) وتتخللها المحور الأوسط (طريقى الأوسط وشعير) والمحور الجنوبى
 (ممرات الجدى ومتلا وسدر) .
(3) جنوب سيناء : منطقة جبلية صخرية شديدة الوعورة يتخللها عدة ممرات ووديان فى اتجاهى خليج العقبة وخليج السويس
 (أشهرها وادى فيران) .
أما لماذا سيناء تحتاج إلى تعمير وفق رؤية مقاومة واستراتيجية فذلك للاعتبارات التالية وفقاً للخبراء المتخصصين ومنهم اللواء د. صلاح الدين خيرى غنيم المتخصص فى شئون سيناء:
أ – إن موقع مصر الجغرافى ومكانتها الحضارية وأهميتها الدولية وأسباب رئيسية لتهديد مصر الدائم ومحاولة الدول الاستعمارية اخضاعها تمهيداً للسيطرة على المنطقة العربية والأفريقية وتحقيق أهدافها .
ب – أن الهدف الاستراتيجى لأى دولة معادية هو السيطرة على قناة السويس ومدن القناة كهدف حيوى وأن اتجاه التهديد الرئيسى لذلك هو سيناء ومن هنا وجب علينا عند التخطيط على المستوى الاستراتيجى لتحقيق الأمن القومى أن يكون هدفنا الدفاعى هو تأمين قناة السويس ومدن القناة والدفاع عنها بعمق من اتجاه الشرق ، اتجاه سيناء .
ج – أن سيناء بتكوينها الجغرافى تسمح بتهيئة مسرح عمليات نموذجى مما توفره من طبيعة تصلح لإقامة خطوط دفاعية متتالية وموانىء بحرية ومحاور طرق للاقتراب والمناورة وإنشاء تجمعات سكنية ومستعمرات دفاعية زراعية وصناعية تتحكم بطرق الاقتراب والمناورة المختلفة وتزيد من القدرة الدفاعية لها ، وتجعلها قلعة حصينة يصعب اختراقها ، وهذه هى الأهمية الاستراتيجية لسيناء .
************
ان العدو الصهيونى يريد اغتيال سيناء ، سواء بشكل مباشر عبر خططه التخريبية المتمثلة فى تهجير فلسطيني غزة واعتبار سيناء وطناً بديلاً لهم أو من خلال زرع شبكات وأجهزة التجسس عن بعد ، أو بطرق غير مباشرة عبر جماعات وتيارات الغلو والتشدد الدينى ، إن هذا الاغتيال يحتاج إلى مواجهة ، والمواجهة لابد أن تكون عبر تنمية وتعمير سيناء ولكن وفق خطط تعمير مقاومة وجريئة وليس فحسب خطط زراعية أو صناعية أو سياحية محدودة الدور والأهمية .
فى هذا السياق علينا أن نقرأ الخريطة الاقتصادية لسيناء والتى تمثل ثروة رائعة ومهمة للشعب المصرى ، وهذه الخريطة تؤكد على أن تعمير سيناء من خلال الاستفادة العلمية منها مسألة ممكنة ومتميزة ، ولنتأمل الحقائق التالية :
1 – توفر الموارد الطبيعية التعدينية والزراعية والسمكية والسياحية والتى لم تستغل بعد .
2 – امكانية استغلال الثروة التعدينية وإقامة مشروعات انتاجية بدءاً بالمنجنيز ، الفوسفات والفحم والنحاس والقصدير ، البكالايت ورمال الزجاج .. وغيرها وحتى اليورانيوم .
3 – وجود مناطق عديدة صالحة للزراعة يمكن ريها بالموارد المائية المتوافرة من مياه جوفية ومياه السيول (بعد إقامة خزانات للاحتفاظ بها وأيضاً لحماية البنية الأساسية من أخطارها باستخدام مياه النيل فى بعض أجزائها) .
4 – ان ما تملكه سيناء من طبيعة خلابة ساحرة وموقع فريد يضعها فى مصاف مناطق العالم السياحية إذا أحسن استغلالها وتنميتها سياحياً لتنافس أشهر مناطق الجذب السياحى فى العالم.
5 – ان موقع سيناء الجغرافى وربطها بين قارتى آسيا وأفريقيا وقربها من أوروبا يجعلها أفضل مكان فى العالم لجذب رأس المال والاستثمار العالمى لإقامة منطقة حرة لكافة المشروعات الانتاجية .
****
إن التعمير الحقيقى لسيناء لابد وأن يأخذ فى حسبانه الاعتبارات التالية وفقاً لورقة بحثية مهمة نشرت قبل فترة  للواء صلاح الدين خيرى غنيم :
1 – ان هناك هدفاً استراتيجياً حيوياً مطلوب الدفاع عنه بعمق لحرمان أى قوات معادية من الوصول إليه أو تهديده ألا وهو منطقة القناة ومدنها للمحافظة على استمرار الملاحة والحياة الطبيعية بها سلماً وحرباً .
2 – ان هناك هدفاً تكتيكياً يعتبر مفتاح الدخول لمصر من الشرق ومطلوب الدفاع عنه بعمق أيضاً لحرمان القوات المعادية من السيطرة عليه أو تهديد الهدف الاستراتيجى (قناة السويس) ألا وهو منطقة الممرات ويطلق عليه الحائط الغربى لسيناء .
3 – ان سيناء ككل بدءاً بخط الحدود الدولية ، عبارة عن خطوط قتالية دفاعية متتالية ومروراً بمحاور الاقتراب والمناورة المختلفة ، وباستغلال طبيعة الأرض والموارد الطبيعية والتعدينية (والتى لم تستغل بعد) ويمكن أن يقام عليها مجتمعات سكنية وزراعية وصناعية .. لزيادة الدخل القومى وأيضاً لخدمة الأهداف العسكرية الدفاعية ، وإعدادها كحصن منبع وقلعة عسكرية واقتصادية ضخمة .
* إن التعمير يحتاج الآن وعلى وجه السرعة من المجلس العسكرى والحكومة والثوار الحقيقيين (وليس ثوار برامج التوك شو والمليونيات فارغة المضمون والرؤية) إلى تشكيل لجنة عليا سياسية عسكرية اقتصادية حضارية عاجلة تقوم بإعداد التخطيط المتكامل النهائى ووضع تصور للرؤية المستقبلية للتعمير والتنمية الشاملة لسيناء باستخدام الأسلوب العلمى بحيث تكون كياناً اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً متماسكاً ، يحمى سيناء من المخاطر الإسرائيلية القادمة  .
************
قبل أن تغتال إسرائيل سيناء وتضمها إلى دولتها عملياً وإن لم تعلن ذلك فى الأوراق والوثائق . لابد وأن تبادر قوى الثورة الحقيقية فى مصر إلى وضع خطة عاجلة للتنمية فى سيناء شرط أن تكون خطة تنمية قائمة على (المقاومة) وليس الاستهلاك والسياحة السريعة فقط ، وفى هذا السياق دعونا نقل أن للخطة المقترحة لتعمير سيناء عدة جوانب منها الجانب العسكرى والذى ينبغى عليه أن يأخذ فى حسبانه الآتى :
(أ) الفكرة العامة للعدائيات المنتظرة وأهدافها واتجاهات اقترابها والمناورة لها ، وكيفية مواجهتها .
(ب) المناطق التى يجب تركها خالية من أى تجمعات سكانية أو انشاءات لاستخدامها بمعرفة القوات المسلحة لإقامة منشآتها العسكرية المختلفة ولعدم اعاقة أعمال التحركات والمناورة للقوات القائمة بتنفيذ مهام قتالية دفاعية .
(ج) المناطق التى يلزم اقامة قرى دفاعية عليها بدءاً بخط الحدود الدولية وعلى طول محاور الاقتراب والمناورة (الطرق الطولية والعرضية) لتزيد من فاعلية الأهداف العسكرية وتدعم القدرة الدفاعية لها .
(د) الشكل المقترح لبناء القرى الدفاعية زراعية أم صناعية .. إلخ على الحدود وفى العمق.
أما الجانب الاقتصادى لخطة تعمير سيناء فإنه يشمل وضع الخطط الدقيقة عن (الرى والموارد المائية والزراعة – التعدين – المناجم والمصانع – السياحة وغيرها) وعلى سبيل المثال ففى قطاع الرى والموارد المائية ينبغى استكمال وتدقيق الموقف المائى ، وتدقيق الدراسات الخاصة بالموارد المتوافرة من مياه الأمطار والآبار والعيون وإمكانية الاستفادة منها بإقامة السدود والحواجز لحجز المياه فى بحيرات صناعية ورفع منسوبها لمياه البحر ، وكذا كمية المياه اللازمة من مياه النيل من خلال ترعة السلام واستكمال مد ترعة السلام لمنطقة وسط سيناء (السيد والقوارير) .
وأيضاً دراسة إمكانية تحلية مياه البحر باستخدام الطاقة الشمسية ، طاقة الرياح ، الغلايات ، والطاقة الذرية ، والمطر الصناعى ، لاستكمال المياه اللازمة للأراضى الساحلية ، أما فى الزراعة فينبغى بالتنسيق مع وزارة الرى والموارد المائية لاستكمال الدراسات الخاصة بتحديد الأماكن الصالحة للزراعة وأنسب الأساليب الزراعية لهذه المناطق وكذا توسيع رقعة المساحات المزروعة وتحسين أنواع الزراعات وإدخال أنواع جديدة مناسبة ، مع تنمية الزراعات القائمة أصلاً من نخيل العراق ونخيل الجزائر والمغرب ومزارع الزيتون .. إلخ والإكثار من زراعة التين والفواكه الأخرى كالعنب واللوز والجوافه والكمثرى والخوخ والمانجو .. إلخ ، والتى تثبت نجاها فى سيناء مع زراعة أشجار الخوخ والسيال لتثبيت الكثبان الرملية ودخوله فى الصناعات الطبية ، واضعين فى الاعتبار تشجير سيناء وبالأخص المناطق الشمالية الوسطى ان الخطة التعميرية المقاومة طموحة ولكنها ممكنة إذا ما خلصت النوايا وعلمنا أن مخطط اغتيال سيناء إسرائيلياً وأمريكياً يتحرك ومن الخطأ الاستراتيجى عدم تحركنا اليوم قبل الغدر .
* إن انصراف القوى الوطنية والإسلامية المصرية ، إلى صراعات وهمية حول الانتخابات والدستور (رغم أهميتها) وتركهم لملفات كبرى مثل ملف (سيناء) ، يعنى أنهم ينسون أحد أبرز ملفات الأمن القومى المصرى ليلعب فيه العدو وهو مستريح البال ، وإذا لم ننتبه جميعاً لهذا الخطر القادم من سيناء وحولها ، والذى تركه لنا الرئيس المخلوع ، كالفخ لنقع فيه فإن كل الجهود التى نبذلها لبناء (مصر الجديدة) سوف تنهار ستكون سيناء بوابة هذا الانهيار ، والعدو الأمريكى بجواسيسه وسفارته فى القاهرة والـ 600 منظمة وجماعة أهلية التى تمولها فى مصر جاهزة للعب هذا الدور ، وسيساندهم فيه (قطر) والسعودية ومنظمومة دول الخليج المحتل أمريكياً ، فهل نعى ونفهم .. اللهم قد بلغنا اللهم فاشهد .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق