السبت، 19 مارس 2011

الجذور التاريخية لملف المتعاونين في فلسطين ــ الشيخ محمد حسني البيومي الهاشمي





الجذور التاريخية لملف المتعاونين 
 في فلسطين


  الشيخ والمفكر الاسلامي
محمد حسني البيومي جودة 
الهاشمي


كان التقاطع فيما بين الحملة الفرنسية والحملة الإنكليزية إلى المنطقة يشكل في حد ذاته وضعا خطيرا يكشف عن تحول في الخيارات المنهجية الاستعمارية حيث الاتجاه من خلال الغزو التخريبي والفكري في المنطقة والذي هدف لخلق واقع إلحاقي لوجوده حول فلسطين ، وفي هذا السياق كان الاستعمارالإنكليزي هو الأخطر كاخطبوط إجرامي ينفذ سياسات الإفساد والتجزيء الداخلي الداخلي وهنا ومنذ البداية حدد المستعمر الإنكليزي بدخوله فلسطين 1916 دوره باتجاهين :
 أولهما تثبيت سياسة : [ فرق تسد ]   
 وتمزيق بنية الشعب الفلسطيني وقواه وتكريس تناقضاته ..
 والاتجاه الآخر هو تثبيت المشروع الاستعماري الصهيوني والذي ترجم من لجنة : كامبل بانرمان سنة 1907 إلى وعد بالفور القاضي بإعطاء دوله لليهود في فلسطين ..

ونحن في هذا الموجز لن نتعرض للتفصيلات فهذا ما وعدنا به بمشيئة الله فس دراسة مفصلة حول نفس الموضوع ... والذي يهمنا في هذا الموضوع هو تبلور النزعة المسيحية الصهيونية كخيار يتقاطع مع مصالح كل الغربيين في فلسطين ..

لقد شكلت مخططات الاستعمار الإنكليزي ومخابراته وشرطته أخطر الأدوات الإجرامية القمعية لتثبيت المنهجية الجديدة البريطانية ، ففي الوقت الذي كانت تسحق الثورة عام 1929 كانت تدعم خيارات الوجهاء في السلطة .. وشجعت الإقطاع وأصبحت البورجوازية الإقطاعية هي الشريحة المتصرفة والمرتبطة بالاحتلال ، وعلى هذه الأرضية نبتت أول شجرة للعملاء والمتعاونين الذين شكل السماسرة والوجهاء وباعة الأرض أهم ملامحها ... وهكذا امتدت هذه الظاهرة لتدعم بريطانيا في شكل العائلات الإقطاعية وطبقة الأفندية وكان للإسفين الاستعماري الذي قسم الوضع الاجتماعي في فلسطين لاتجاهين متصارعين
[ عائلة الحسيني والنشا شيبي ] هو أخطر القواعد التي انطلق الإنكليز واليهود لتثبيت حالة من المتعاونين وإيجاد نوعا من القابلية السياسية والنفسية للتعامل مع الإنكليز الى أن أصبح خيار المراهنة على الإنكليز إحدى قواعد اللعبة التي نجح المستعمر في غرسها في نفسية تلك العائلات الإقطاعية وشبه الدينية , ولهذا كان الغالب هو المراهنة على الإنكليز لاقتلاع الصهيونية .
هذه المنهجية الخاطئة في ذهنية المتخلفين ممن تربعوا على رأس الحركة الوطنية الفلسطينية عرقلت من مشروع القسام الثوري الجماهيري البديل وشكلت على امتداد التاريخ خيار الثورة المضادة ، وفي الوقت الذي كان فيه القسام ورجاله وعلمائه يوجهون الرصاص للإنكليز واليهود على السواء كان خط الوجهاء والمتعاونين مفتوحا مع المحتل البريطاني ... ولهذا كان تشكيل أول جهاز قمعي وشرطي انكليزي يمثل أول أداة قمعية لتستوعب العملاء والمتعاونين , وكان قسم المخابرات التابع للشرطة والبوليس يحدد أهداف السياسة التمزيقية البريطانية داخل فلسطين , وهكذا سنشهد أن قوة البوليس التي شكلها البريطانيون خلقت كرديف استعماري تعاوني وإلحاقي بغطاء الدفاع عن ـ أمن البلاد (1(
وهكذا كانت الاتصالات البريطانية بالوجهاء , تفرز طبقة قيادية لها تقاطعا استراتيجيا مع السلطة المنتدبة وتشكل ما سمي فيما بعد زورا بالحركة الوطنية ولهذا كانت [ القيادة السياسية تتمثل في ثمانية أحزاب على سبيل التجاوز ونقول أحزاب على سبيل التجاوز , ذلك لأن فلسطين لم تعرف في تاريخها حزبا سياسيا بالمعنى المفهوم للحزب , أي أن فلسطين لم تعرف تنظيما جيدا أو أيديولوجية مكتملة وأهداف واضحة , وإنما كانت أغلبية الأحزاب الفلسطينية مجرد تكتلات من المرتزقة تلتف حول الأسر الكبيرة المتنافسة على الزعامة والنفوذ , كان البارزون في تلك الأسر نصف أميين متخلفين عن عصرهم تخلفا كبيرا ولم يكن لهذه الأحزاب مبادئ وأهداف أيديولوجية , ولم يكن على رأسها رجال على مستوى القضية ، أو على مستوى القادة اليهود ، وكان بعض القادة مطعونا في وطنيته لكونه قد باع أرضا لليهود ، ـأو له اتصالات بأنظمة عربية عميلة ، أو مع جهات معادية للقضية الفلسطينية ، وبالرغم أن بعض قادة تلك الأحزاب ، كان متخرجا من الجامعة ، إلا أنه كانت تغلب على القسم الأكبر منهم الأمية السياسية ، وكان الجميع خاضعين لتنافسان شخصية وعشائرية ، ومع أن قادة أكثر الأحزاب كانت من المدن ، ولم يعرف واحدا منهم أن زار قرية أو مضرب بدو , أو حتى حيا من الأحياء المدنية الفقيرة إلا أن خلافاتهم ومنافساتهم وعداوتهم ، انعكست على الشعب الفلسطيني فأنقسم أهالي فلسطين إلى حزبين كبيرين  [ 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الدكتورة خيرية قاسميه : ( الحركة الوطنية الفلسطينية في ثلثي القرن الحالي [ 1900 ــ 1964 ] : مقال منشور في الموسوعة الفلسطينية ( الدراسات الخاصة ) المجلد الخامس ط بيروت 1990 ص 71
[ بتصرف
* يراجع في الموضوع : الدكتور أحمد طرابين : نفس الموسوعة : المجلد الثاني ــ مقال خاص ( من الإحتلال البريطاني 1918 ــ الى الإنتداب 1923 ص 1133 ، 1135 : بتصرف .


وبهذا نجح المستعمر البريطاني في تثبيت قاعدة [ فرق تسد ] في أوساط المساحة الاجتماعية ووجد في قرارات اللجنة التنفيذية العربية التي قضت بتشكيل أحزابا وجها مقبول التنفيذ سياسات جديدة لاختراق تلك الأحزاب بواسطة أجهزته الأمنية والمخابراتية وتحويلها لأداة انحرافية في وجه الشعب "
[ وبالطبع كان لهذه الانقسامات أثرا في هذا الانحراف بمسيرة بعض الثورات .. فقد كانت الثورة تتحول من صراع ضد الإنكليز والصهيونية الى نوع من الحرب الأهلية ، سلاحها الخناجر والرصاص الذي يطلق من الخلف في عملية اغتيالات كانت ترهق الشعب والوطن وتكون بردا وسلاما على قلوب الإنكليز والصهاينة
[ وبالطبع قد يكون أمرا غير طبيعي في بلد صغير مثل فلسطين ، وبين شعب لا يتجاوز المليون نسمة مثل الشعب الفلسطيني أن يشكل ثمانية أحزاب ، في وقت كان في بريطانيا العظمى حزبان فقط ، وفي الولايات المتحدة أيضا حزبان فقط (2) ولهذا يوضع علامة استفهام حول حجم التعددية إذا ما قورنت بواقع متخلف وتقليدي وهذا يؤكد حالة الإنسجام والتعاون والتنفيذ فيما بين المخطط الإحتلالي والأهداف الشخصية لطبقة الملاك التي صنع منها البريطانيون قادة زكوا حياتهم وتاريخهم بالاجتماعات مع القيادات الانجليزية والصهيونية في وقت كانت الثورة في الشمال تشتعل لهيبا وكان مئات الشهداء يسقطون في هبة البراق سنة 1929 وأحداث 1933 حيث قذفوا بالطائرات البريطانية ؟؟ فيما رفض الحسيني والقوى السياسية إمداد الشيخ القسام بالسلاح راجعين التقصير والتراجع إلى عدم وجود إمكانيات وأن الأمور تحل بالحوار مع بريطانيا الصديقةب (3)
هكذا كان العقل التبريري الانهزامي يفرز ظاهرة من الأحزاب المخترقة أو المدسوسة والمنسجمة في ظل الهيمنة البريطانية ومخططها التجزيئي00
وكان في هذا السياق حزب( المتعاونين مع السلطة )
( كما اصطلح عليه الدكتور عبد الوهاب الكيالي في كتابه تاريخ فلسطين الحديث ) 
شكل الوجه السافر لظاهرة التعاون مع السلطة وتشكيل المؤتمرات العامة لطرح فكرة( التعاون ) في وجه سياسة (اللاتعاون) المطروحة في مواجهة الاحتلال والصهيونية في فلسطين,وهكذا كان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (2) شلباية : مسلسل التقصير والخيانة ج1/ص 42 ، 43 ، 44 ، 45
(3) غسان كنفاني : ثورة 1936 ــ 1939 : خلفيات وتحليل وتفاصيل : صادر عن المكتب الإعلامي للجبهة الشعبية بيروت : المقال : نشر في مجلة شؤون فلسطينية : بتصرف


راغب النشاشيي هو أول من أعلن عن تشكيل ) أول تكتل حزبي أعلن عن وجوده رسميا انبثق عن حركة المعارضة والذي أفرز عقب معركة الرئاسة البلدية, يبحث
عن مؤسسة بديلة لزعامته الهادفة إلى الحاج أمين الحسيني في قفص الاتهام..
انفرد الحزب عن الحركة الوطنية في العلاقات الخارجية فقد كانت علاقاته قوية مع الملك عبد الله(4  (
وهكذا كانت هذه الوجهة تحدد فكي الكماشة الخيانية التي وضع الحزب ذاته من أجلها
فعلى مستوى الداخل،فقد كان لهذا الحزب علاقة صهيونية كما كشفت عن ذلك المصادر الصهيونية ذاتها،وكما أسلفنا كان زعماء هذا الحزب علاقة باللجنة التنفيذية الصهيونية التي قاسمها هؤلاء الزعماء الهدف المشترك الذي يرقى إلى الحد من نفوذ اللجنة التنفيذية العربية والمجلس الإسلامي الأعلى ، وتقول المصادر الصهيونية : أن فخري النشاشيبي تلقى مساعدة من المكتب الصهيوني بالقدس .. كما تلقى أموالا تساعده على فتح فروع جديدة للحزب في بيت لحم كما أيد الهجرة اليهودية إلى فلسطين ] (5) وهكذا حدد الوجهاء ارتباطهم الوثيق والتعاوني مع السلطة الإنكليزية والصهيونية تنفيذا لمخططات الإنكليز ... يضاف إلى ذلك دورهم في تشكيل أول تنظيم للعملاء والمتعاونين أطلق عليه لاسم ] فصائل السلام [ .
وكان أخطر مهماتهم هو التشكيك بالثورة وإطلاق دعايات الحرب النفسية والإشاعات ضد الجماهير كما أنيط بهم معظم الاغتيالات والتصفيات الموجهة ضد الثوار وبهذا أعلنوا ذاتهم كحرس حدود مبكر لخدمة السياسة الصهيونية وخيارا الحاقيا بالعدو المحتل .. وكان التنظيم المشبوه بارتباطاته الوثيقة مع المحتلين أنما يشكل الذراع أو الميليشيا العسكرية المدعومة من العدو لخدمة خط الحزب السياسي العام ولتحقيق هذا الهدف [ احتوى راغب النشاشيبي في حزبه خليط من السماسرة والعملاء واليهود والمأجورين كما استطاع أن يستقطب في حزبه عددا كبيرا من المخاتير الذين شكلوا بدورهم نقاط ارتكاز في قراهم وكان ذلك على امتداد جغرافية فلسطين ] (6 ) 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4) د بيان نويهض الحوت : [ القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين ] ط : دار الهدى كفر قرع ط3/ 1986 ص 301 ــ 307
(5) د مناويل حساسيان: الصراع السياسي داخل الحركة الوطنية الفلسطينية ما بين 1919 ــ 1939 : منشورات البيادر ــ القدس ط 1978 ص 95 ــ 97
(6) عبد الوهاب الكيالي : تاريخ فلسطين الحديث : المؤسسة العربية للدراسات والنشر ط9/ سنة 1985 ــ ص 188 ـــ 190 ــ مقال [ حزب المتعاونين مع السلطة ]


 
[ لقد نادى الحزب بفكرة التعاون مع الإنكليز لإقامة مجلس تشريعي على أساس المساندة هذا الأخير في مطلبه في حكم الأردن وفلسطين مقابل أن يصبح حزب الدفاع برئاسة راغب النشاشيبي هو الفئة السياسية الأهم في فلسطين ] 
وقد أدت موافقة الح(7)ب الخيانية المعلنة إلى تخلي كثير من أعضاء الحزب ، بعد وضوح مواقفه إلى جانب الإنكليز والصهيونية ضد الثورة بشكل صدامي .. وأصبح الحزب متهما بالخيانة فأدى إلى اضمحلاله .

المرحلة الثانية من الثورة 1937 ــ 1939 
 
(7)

وهكذا استغلت السلطة البريطانية نشاطات ما أطلق عليه
 [ فصائل السلام      ]
لضرب الثورة في البلاد وكانت جميعا تعمل بتوجيه [ تشارليز تيجارت ]
وإشراف
[ فخري النشا شيبي ] و كان أهم مهماتها هو تجسيد الحرابة ضد الجماهير واستخدام القوة العسكرية والإرهاب في سرقة الأموال والراضي والتزوير والقتل .
لقد كانت السلطات البريطانية تستهدف من وراء هذا التشكيل صناعة حربا أهلية في صفوف الشعب وأما هدفها الأخير فهو تشويه سمعة الثورة الفلسطينية في تالداخل والخارج وإظهارها بظهر غير ثوري (8)
وكان جزاء هؤلاء العملاء هو القتل من خلال الإعلان في محكمة الثورة عن قرار إعدام بحق فخري النشا شيبي كما جاء في الفتاوى الشرعية والسياسية التي نقلها أغلب المؤرخون ... حتى تم اغتياله بعد الفتوى في قلب بغداد بواسطة الثوار والمفتي ]
  وهكذا فإن الاغتيالات السياسية التي نفذتها الثورة بين ديسمبر 1937 وسبتمبر 1938 م كانت موجهة إلى عملاء المخابرات البريطانية
والى سماسرة الأراضي ، وإذا كان عارف عبد الرازق قد أصدر في 30 نوفمبر أمرا بإعدام [ فخري النشا شيبي ] فإن ذلك لم يكن إلا بسبب خروجه على إجماع الأمة وتعاونه مع السلطات البريطانية والصهيونية ولأن القضية الوطنية لا تتسامح مع المتآمرين والدساسين ولأن الوطن فوق الجميع (9) . 
لقد شكلت ظاهرة المتعاونين على مستوى الوضعية التاريخية خنجرا مسموما في ظهر الشعب والثورة فهم الذين تعاونوا مع البوليس البريطاني وأرشدوا عن الشيخ القسام واغتالوه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(7) د عبد الوهاب الكيالي : موسوعة السياسة ــ ط المؤسسة العربية للدراسات والنشر ج2/ص 302 [ حزب الدفاع الوطني ]
(8) د . كامل محمود خلة : فلسطين والإنتداب البريطاني 1922 ــ 1939 ط المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان ــ طرابلس ليبيا ط . 1982 ــ ص 711 وحتى ص 714
(9) نفس المصدر السابق ص 714


إن أهم ما في الموضوع هو إتباع سياسة منهجية واضحة في إعدامات العملاء من خلال [ محكمة الثورة العربية ] بعيدا عن الفوضى والارتجالية ونفذ حكم الله في مئات العملاء ، فيما عمدت عصابات السلام وعملاء المخابرات الصهيونية السريين
في البلاد إلى تنفيذ أغلب أعمال الاغتيالات داخل جدار الثورة .. 
وقد واجهت الثورة القسامية ومنذ البداية تيار العملاء والمتعاونين بكل قوة وصلابة ولم يكن الرد سهلا
فقد نفذ القساميون حكم الله في الجواسيس وشكل لهذا الغرض محاكم يقودها علماء فقهيين مهمتهم إصدار الفتاوى بالإعدام لهؤلاء المتعاونين بعد استنفاذ كل السبل لثبات المعلومة . كما شكل لهذا الغرض جهازا أمنيا قويا مهمته ملاحقة الجواسيس والعملاء[   فرع التجسس  ] (10)
وهكذا كان هذا الفرع الأمني في سياق منهجية تكاملية أعطيت الأولوية فيها للصراع مع المحتل البريطاني والصهيوني ولم تكن سياسة الاغتيالات والتصفيات تعويضا عن أزمة تخلف أو تراجع ،ـ ولهذا كانت مواجهة التجسس عقابا إضافيا إلحاقيا جوار مواجهة المحتل ومن خلال منهجية عقائدية صحيحة ، ناهيك عن أن 
[ القيادة في العصبة لم تكن للقسام وحده ، بل كانت قيادة جماعية تتألف من اثني عشر عضوا ، وهذه الجمعية كانت هي المسئولة عن اتخاذ القرارات المهمة ومن بينها الاغتيال للجواسيس والخونة ، إلا أنه لأسباب دينية لم يكن يكتفي بإجماع [ الجمعية ] بل كان لا بد من رفع قرار الاغتيال إلى عالم ديني كبير كي تصدر الفتوى عنه (11) هذا يعني أن الثورة والثوار قد شاركوا في الاغتيالات ولكن من خلال منهجية فقهية ونظامية وهذا كان حرصا على عدم تفشي حالة الحرب الأهلية الداخلية بين صفوف الشعب والتي أعد لها عملاء حزب المتعاونين [ حزب الدفاع الوطني ] طوال التاريخ الفلسطيني وحتى النكبة عام 1948 ، لقد أسهمت ظاهرة الإعدامات والاغتيالات في الثورة التي نفذها العملاء خنجرا مسموما في ظهر الثورة وتشويه مسارها أمام جماهير الأمة .
وهكذا عمدت أجهزة المخابرات البريطانية وبالتعاون مع الشرطة الى التصعيد من الحصار والإختراق ، والاتجاه الآخر هو محاولة الربط بين هذه الجهازية والأنظمة العربية العميلة تاريخيا والمتعاونة تنفيذا لتثبيت سياساته ، وفي هذا السياق عمدت بريطانيا في المرحلة الثانية من الثورة على ربط الواقع الفلسطيني الوطني منذ العام 1939 بالنظام الملكي في عمان حيث أشرف الملك عبد الله على أغلب السياسات الخارجية لتفريغ الواقع الوطني لحسابات شرق الأردن ..
وهو ما أسماه الدكتور سليمان بشير [ بجذور الوصاية الأردنية ] هذه الجذور التي رسمت من خلال سراديب جهاز الأمن العام والشرطة الأردنية التي أشرف عليها مؤخرا الإنكليزي الصهيوني :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (10) نفس المصدر السابق ص 589
(11) صبحي ياسين: الثورة العربية الكبرى في فلسطين 1963 ــ 1939 ص 22، 23 : راجع في الموضوع نفسه : د بيان نويهض : نفس المصدر ص 379


[ كلوب باشا ] . وفي دراسة :  عبد الله التل حول سقوط القدس ] يكشف عن جذور وتعقيدات الجذور الخيانية الملكية من موقعه كقائد عام للجيش الأردني منذ البداية وحتى التسليم وانتهاء بتحويل مشروع التقسيم إلى خيار الوصاية الأردنية المفتوحة والمرتبطة جدليا بإسرائيل ..
 [ راجع تصريحات الملك حسين حول اعترافاته بالاجتماع مع جميع قادة وزعماء إسرائيل منذ العام 1967  .. ]

والمختصر في سياسة [ المتعاونين الكبار ] أنهم يمثلون الغطاء المنهجي التعاوني مع جميع المتعاونين الصغار داخل فلسطين أمثال راغب النشاشيبي [ حزب الدفاع والمتعاونين مع السلطة ] وفخري النشاشيبي قائد القوات الخاصة المضادة للثورة والمدعومة فعليا من حكومة الأردن وهذا ما يؤكد الحقيقة أن هذا الاتجاه العام للثورة المضادة كان يحتوي في أحشائه الجسر الموصل للصهيونية امتدادها في فلسطين والمنطقة
 [ مشروع بيريز : شرق أوسط جديد   ].
هذا الملف الطويل والمعقد من المؤامرات على القضية أكبر من أن يحتويه عشرات ومئات المجلدات والدراسات !!
وتعتبر دراسة الوثائق التي قدمها الدكتور سليمان بشير حول وثائق الأرشيف الصهيوني (12) ومذكرات عبد الله التل [ سقوط القدس ] من أهم الوثائق التي تكشف عن جذور حركة المتعاونين وارتباطاتهم المضادة للثورة في فلسطين .. وهكذا كانت مرحلة 1948 ودخول الجيوش العربية إلى فلسطين مدخلا للاختراق الاستعماري الخطر والهادف إلى تكريس ظاهرة التعاون من جهة تثبيت المشروع الاستعماري وقتل روح الثورة الفلسطينية في الداخل .


المخابرات الأمريكية وحرب 1948 في فلسطين :


لقد شكلت الأعوام 1948 وحتى بداية الخمسينات ما عرف بسياسة :
[ التسليم ] وانهاء المرحلة البريطانية في المنطقة إلى أمريكا وفعليا اتجهت أمريكا عبر الساحة السورية واللبنانية لتكون مدخلا للاختراق المخابراتي الذي سيطر على كثير من الضباط والقادة العسكريين الذين اشتركوا في حرب 1948 وهو 
[ الذي جعل منطقة الشرق الأوسط بحيرة أمريكية ــ على رأسها عساكر انكشاريون ــ جاءت بهم السي آي ايه ــ وبدأ التحضير لمجيء عدد منهم أثناء الحرب الفلسطينية (13) وكان يقف على رأس هذه النماذج [ أديب الشيشكلي ] وهو أحد القيادات التابعة لجيش الإنقاذ في فلسطين وهو المكلف بالدفاع عن حامية صفد والمسؤول عن سقوطها في يد اليهود و [ الشيشكلي ] هو الذي كان وراء انقلابات حسيني الزعيم والحناوي وسلو ــ ثم كشف عن نفسه وأصبح هو زعيم الانقلاب ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) الدكتور : سليمان بشير : جذور الوصاية الأردنية : دراسة في وثائق الأرشيف الصهيوني
(13) شلباية : مسلسل التقصير والخيانة : نفس المصدر السابق ج2/ ص37


والمختصر في هذه التوطئة من البحث هو كيف استطاعت المخابرات الأمريكية خارجيا من السيطرة على مقاليد الحرب والملفات من بريطانيا وأجهزتها المخابراتية التي كرست المشروع الصهيوني من خلال هذه الجيوش وهكذا كان محور الملك عبد الله والمحور اللبناني السوري
 [ جيش الإنقاذ ] يوجهان لخيار الامتصاص والتسليم .
هذه الأزمات المعقدة من تاريخ الشعوب والنضال في فلسطين ستترك آثارها النفسية والسياسية الوخيمة على تركيبة الإنسان الفلسطيني في الداخل على امتداد سنوات الاحتلال والإستيطان اليهودي في فلسطين وعلى كل المستويات كانت ظاهرة
المتعاونين في سياق المشروع المخابراتي الغربي تكشف عن خطورة الأزمة وتواصلها .. ولهذا يجب تحديد البعد المنهجي والتاريخي لهذه المسألة خلال محاولتنا لكسر جدار الأزمة المعقدة التي تركها العدو المحتل ...
إن الواقع التعاوني في هذا السياق الإختراقي إنما يكشف عن واقعية الأحزاب والتنظيمات التي غطت الساحة إبان الثلاثينات والأربعينات والتي كانت تتداخل في معظمها أيادي مدسوسة أساءت للمشروع التغييري المضاد وأعاقت تقدمه .. وكانت نهاية سقوط القدس وصفد ودير ياسين بل تبعه سقوط يافا بفعل هزيمة الجيوش العربية التي وكلتها المخابرات الأمريكية والبريطانية . وكان الشيشكلي وحسني الزعيم هم القادة العسكريين الذين سمحوا لقوات [ البالماخ ] الصهيونية إلى صفد ، ناهيك عن رجالات السعودية والعراق التي حركتهم هذه الدوائر لاستكمال مخطط التثبيت الصهيوني والإلحاقي الخطير !!
هذا ويكشف كتاب [ لعبة الأمم ] عن سلسلة العملاء السريين الذين شاركوا في المخطط المخابراتي في سوريا قبيل الدخول العربي إلى فلسطين .. وتشير أغلب الوثائق المنقولة عن قيادات الحركة الوطنية الفلسطينية كيف واجه النظام العربي المفتي الحاج أمين الحسيني رحمه الله وكيف كان الحصار الخطير والمعقد في وجه القائد الإسلامي الثوري
 [ عبد القادر الحسيني ] لعرقلة مهامه القتالية في قلب فلسطين وشكلت المراوغة والعرقلة مرحلة طويلة كان العدو الصهيوني يتقدم خلالها.. وكانت الجيوش العربية المتعاونة تستسلم وكان رد الحسيني القائد في وجه سماسرة الأنظمة وعساكرها المتعاونين مع المخطط الأمريكي في القول :
أن أنتم المسؤلون عما سيحل بنا من دمار أيها الخارجون المتآمرون .. سأحتل القدس وأموت أنا وكل جنودي ، وسيسجل التاريخ وسيشهد العالم أنكم أنتم الخونة الذين أضعتم البلاد  ]
 .. واتجه إلى عمه المفتي في القول :
[ والله يا عماه .. أنهم يريدون القضاء علينا ويريدون إضاعة فلسطين .. لأنهم يخونونا .. يريدون التخلص من فلسطين .. إنني قررت العودة . وسأعود جنديا يعرف كيف يدافع عن بلاده ] (14(
وهكذا كان الدم الإسلامي الثوري المقدس شاهدا على خار الخونة والمتعاونين والداعمين لضياع فلسطين .. وفيما كان هذا الشاهد يموت على منهجيته ودمه المقبل كانت الأحزاب المشبوهة بنضالها في المؤتمرات تتاجر وتندد وتقرر ، بل تصدر التي كانت الشاهد على الضياع ..
لقد أسهمت الصحافة الفلسطينية في جزء هام من اتجاهاتها يوميا لدعم فكرة
[ التعاون ] مع السلطة والاتجاه بالجماهير نحو سياسة التعاون والتقاطع مع المحتل
لقد أسهم في تشكيل ظاهرة المتعاونين في هذه المرحلة التاريخية الخطيرة كثيرا من المخططات والتعقيدات المبكرة دوليا وعربيا وإقليميا وداخليا .. كان النظام العربي العميل هو المنفذ ، وأمام خيار التجويع والحصار ومصادرة الأراضي وهيمنة الملاك كان ممكنا حدوث كل شيء وكل أزمة !!
من هذا الواقع استثمر المتعاونون الكبار الجماهير المسحوقة ــ وكما سيكشف من دراستنا المطولة ــ في إيجاد ظاهرة داخلية شعبية من العملاء والمتعاونين وفصائل السلام وعملاء المخابرات والشرطة والمتعاونين مع السماسرة والمرشدين من أجل الحصول على لقمة الخبزــ تلك اللقمة التي شكلت في الواقع معادلة [ الجوع الكافر  ]
لقد أرادت الأنظمة تكفيرنا وتجويعنا لتدفعنا كواقع إلحاقي ومخابراتي لتنفيذ مخططاتها !!
ثم تحملنا المسئولية وتتهمنا ببيع أراضينا وأملاكنا ..

وتدفعنا لنتهم واقعنا الوطني والثوري أبشع الاتهامات ؟!
إننا لا نبرئ أحدا من المسئولية التاريخية الخطرة .. لكننا نقول أن الأزمة هنا أزمة معقدة وخطيرة جدا من حيث بعدها ووظائفها لا تتسع لها هذه الدراسة أو هذا الملف الموجز .. ولكننا بمشيئة الله نعد أن نصدر كتابا مستقلا نكشف من خلاله عن الجذور التاريخية للأزمة ودراسة الوثائق المعقدة إسهاما منا بكشف الزيف وإظهار الحقيقة ، دعما باتجاه إيجاد رؤية منهجية جديدة وواعية للإنسان الفلسطيني الثوري الجديد ...
وهذا الملف الموجز هو خطوة ومقدمة لهذا الإسهام الذي نرجوا أن يكون نافعا لشعبنا وجماهيرنا ...


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) عيسى خليل محسن : فلسطين وابنها البار : عبد القادر الحسيني ص 369 ، 370 ، 372 ط دار الجليل للنشر والدراسات والأبحاث ط 1986


لهذا نؤكد من جديد على ضرورة حل الأزمة الحزبية والتنظيمية المعقدة بمنهجية جديدة .. يجب أن يدعمها كل المخلصين وكل الإسلاميين وكل الوطنيين ....
منهجيتنا الجديدة هي منهجية التوحيد الإسلامي الوطني الداعي لتطهير الذات من الأزمة والشوائب ... لهذا إذا اكتشفنا تاريخنا وجذور أزماتنا اكتشفنا أن القتل والإعدامات ليس خيارنا البنائي الوحيد .. فالقتل كسياسة غير منهجية يقتل المشروع ويقتل المشروع ويقتل المنهج الثوري ذاته .. إن المتعاونين الجدد والذين يعيشون بيننا في الانتفاضة إذا ما قورنوا بمسجلي التاريخ الأسود هم بسطاء لا يحتاجون للسكين أو البلطة كسياسة ..
بل يحتاجون بداية ونهاية .. إلى أمل جديد وخيار جديد .. القتل هو حكم شرعي ..
ولكن الإحياء كمنهج وسياسة نضالية هو الأكثر شرعيا
وان كتابنا الذي نراه هاما في هذه المرحلة والتي هذه المقدمة تشكل مدخلا مهما إليه والدالة لأيديولوجية منهجية جديدة في سياق مشروع إحيائي عام تجيء لتؤكد اليوم أن العملاء والمتعاونين الصغار الذي يقتلون مشروعنا هم ليسوا سوى إفرازا لتلك الحقيقة الباطلة التي كرسها العملاء والساسة البياعين الكبار !!
{ قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا   }

فلتتوحد جهودنا وثقافتنا لإيجاد منهجية إحيائية وبنائية مجتمعية
جديدة يكون العنف الثوري الصلب خلالها هو القدرة لاكتشاف

ذاتنا من جديد


******************************

البحث هو في الأصل مقدمة لكتاب :
ظاهرة تصفية العملاء التاريخ وجذور الأزمة
للمجاهد  الشيخ والمفكر الاسلامي
محمد حسني البيومي جودة
الهاشمي
( محمد نور الدين )
******************************


من كتاباتنا وجهادنا  الاسلامي في الانتفاضة الأولى
في فلسطين المقدسة ..
أهل البيت عليهم السلام
فلسطين
نشر مجددا في موقعنا الخاص
( موقع الثورة الخاتمة في فلسطين )









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق